حضارة العرب - جوستاف لوبون

.
من الكتاب:

"و ما عجز الاغارقه و الفرس و الرومان عنه في الشرق قدر عليه العرب (المسلمون) بسرعه و من غير اكراه ، و من ذلك ان مصر التي كان يلوح انها اصعب اقطار العالم اذعانا للمؤثرات الاجنبيه نسيت في اقل من قرن واحد مر على افتتاح عمرو بن العاص لها ماضي حضارتها الذي دام نحو سبعة الآلف سنه معتنقه دينا جديدا ولغه جديده و فنا جديدا اعتناقا متينا دام بعد تواري الامه التي حملتها عليه و لم يغير المصريون دينهم سوى مره واحده قبل العرب ، و ذلك حين خرب قياصرة القسطنطينيه بلاد مصر بتحطيمهم جميع آثارهم او تشويهها و جعهلم القتل عقوبة من يخالف حظر عباده آلهتها الاقدمين ، و هكذا عانى المصريون دينا جديدا فرض عليهم بالقوه اكثر من اعتناقهم له ، و ما كان من تهافت المصريين على نبذ النصرانيه و دخولهم في الاسلام يثبت درجة ضعف تاثير النصرانيه فيهم .

و ما وفق العرب له في مصر من التاثير البالغ اتفق لهم مثله في كل بلد خفقت فوقه راياتهم كافريقيه و سوريه و فارس الخ ، و بلغ نفوذهم بلاد الهند التي لم يدخلوها الا عباري سبيل ، و بلغ بلاد الصين التي لم يزوروها الا تجارا .


و لا نرى في التاريخ امه ذات تاثير بارز كالعرب ، و ذلك ان جميع الامم التي اتصل العرب بها اعتنقت حضارتهم ، ولو حينا من الزمن ، و ان العرب لما غابوا عن مسرح التاريخ انتحل قاهروهم كالترك و المغول الخ ، تقاليدهم و بدوا للعالم ناشرين لنفوذهم ، اجل ماتت حضارة العرب منذ قرون ، ولكن العالم لا يعرف اليوم غير دين اتباع النبي و لغتهم في البلاد الممتده من المحيط الاطلنطي الى السند ، و من البحر المتوسط الى الصحراء .


و لم يتجلى تاثير العرب في الشرق في الديانه و اللغه و الفنون وحدها ، بل تجلى في ثقافته العلميه ايضا ، و من ذلك ان المسلمين كانوا ذو صلات مستمره بالهند و الصين و انهم نقلوا اليها قسما كبيرا من المعارف التي عدها الاوروبيون من اصل هندوسي او صيني فيما بعد ، و قد اصاب سيديو في توكيد هذا الامر فذكر على سبيل المثال ان العربي البيروني المتوفي سنو 1031م اتحف الهندوس في اثناء سياحته في بلاد الهند بمختارات مهمه من كتب العلم فنقلوها بعدئذ نظما الى السنسكريتيه على حسب عادتهم و يظهر ان ما اقتبسه الصينيون من العرب اهم مما اخذه الهندوس عنهم ، و قد بينا في فصل سابق ان علوم العرب دخلت الصين على اثر الغاره المغوليه ، و ان الفلكي الصيني الشهير كوشو كنغ تناول رسالة ابن يونس في الفلك في سنة 1280م و اذاعها في بلاد الصين ، و ان الطب العربي ادخل الى الصين وقتما غزاها كوبلاي ، اي في سنة 1215م "


«ان القوة لم تكن عاملًا في انتشار القرآن ما ترك العربُ المغلوبين أحرارًا في أديانهم، فإذا حدث أن اعتنق بعضُ الأقوام النصرانية الإسلامَ، واتخذوا العربية لغةً لهم، فذلك لما رأوه من عدل العرب الغالبين مما لم يرَوا مثله من سادتهم السابقين، ولما كان عليه الإسلام
من السهولة التي لم يعرفوها من قبل ولم ينتشرالقرآن، إذن بالسيف، بل انتشربالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته »
 

 « الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا، كالترك والمغول أدرك الخلفاء السابقون، الذين كان عندهم من العبقرية السياسية ما ندر وجودُه في دُعاة الديانات الجديدة، أن النظم والأديان ليست مما يُفرض قسرًا؛ فعاملوا أهل كل قطر استولوا عليه بلطف عظيم، تاركين لهم قوانينهم ونظمهم ومعتقداتهم، غير فارضين عليهم سوى جزية زهيدة في الغالب، إذا ما قيست بما كانوا يدفعون سابقًا في مقابل حفظ الأمن بينهم، فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سمحًا مثل دينهم »
 

غوستاف لوبون



http://bit.ly/1KQS0w5
تعليقات فيسبوك
0 تعليقات بلوجر